العودة الى الصفحة السابقة
سبل البر

سبل البر

جون نور


«الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ» (مزمور 23).

هو يوردني (أي يهديني) إلى مياه الراحة ثم تأتي عملية «رد النفس» وحينئذ «يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ».

إن كلمة سبل البر تحمل في معناها طرقاً محددة تحديداً واضحاً حتى لا يمكن أخطاءها. وهذا يعود بأفكارنا في الحال إلى السبل التي سار فيها ربنا «في أيام جسده» وموضحة في الأناجيل الأربعة، حتى أنه لا عذر لنا إن كنا نفشل في «إتباع آثاره».

وأكثر من ذلك فهي سبل البر. ويمكننا أن ندرك فحوى هذه العبارة عندما نتذكر أن البر هو خط كامل الاستقامة قد رسمه الله بنفسه. وعلى ذلك فكل بركة نتمتع بها الآن في المسيح هي على أساس بر الله الثابت، ولذلك فهو لا يريدنا أن نسلك إلا في سبل البر. ويليق بنا أن نتأمل قليلاً في بعض السبل التي سار فيها راعينا الصالح والتي فيها يريد أن يقود خرافه!

سبيل المحبة

لم يسلك أحد في هذا السبيل كما سلك هو، وكل المميزات العظمى للمحبة الموضحة في 1كورنثوس 13 اتحدت فيه اتحاداً تاماً. فصلاته على الصليب «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ» (لوقا 34:23) برهنت على محبته لأعدائه كما لتلاميذه. لذلك يجب علينا أن نسلك في هذا السبيل عينه بإظهار محبة المسيح لا إلى إخوتنا المؤمنين فقط بل إلى جميع الناس أيضاً.

سبيل الاتضاع

كان اتضاع الرب كمحبته كاملاً، ففي كل عمل قام به، وفي كل خطوة سارها أظهر أنه هو الاتضاع المجسم، ولا يمكن لإدراكنا القاصر أن يدرك إدراكاً كاملاً ما في هاتين الكلمتين «أَخْلَى نَفْسَهُ» (فيلبي 7:2) من معنى إن اتضاعه أعلن عظمته، ويا ليتنا نتذكر دائماً أن التواضع هو العظمة الحقيقية وأن الرجل العظيم بالحقيقة هو الشخص المتضع والغافل عن عظمته.

سبيل الطاعة

كان الرب يسوع دائماً مطيعاً لمشيئة أبيه. والعبارة المذكورة في عبرانيين 8:5 «مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ» لا تعني أنه بدون هذه الآلام لم يكن مطيعاً، بل لكونه مخلص الخطاة كانت هذه الآلام محتمة عليه، وعلى ذلك كان ضرورياً أن تقوده في سبيل الطاعة الكاملة. ويا ليتنا نسلك كما سلك هو متذكرين دائماً أن الطاعة هي طريق البركة.

سبيل إنكار الذات

«الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ» (رومية 3:15). فهو لم يفكر قط في إرضاء نفسه، ولكنه كان دائماً مشغولاً بالآخرين ومفكراً في إسعادهم وراحتهم وخيرهم، حتى في بستان جثسيماني حين صلى ثلاث مرات أن تعبر عنه الكأس. فقد عاش، له المجد، عيشة خالية من محبة الذات، لذلك لا تعترينا الدهشة إن كنا نراه يملأ بالبركة كل يد تمتد بالحاجة إليه.

هذه هي بعض السبل التي سار فيها ربنا المبارك ويسر أن يهدينا إليها إن كنا نريد ذلك، ولكن لماذا يهدينا إليها هكذا؟ ليس لمجرد بركتنا الشخصية، وليس لمجرد أن نكون بركة للذين هم حولنا، بل «من أجل اسمه» حتى يعلن مجده ويعلي اسمه. وما أحلى ما نقرأه عن راعينا الصالح أنه يذهب أمام خرافه «وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ» (يوحنا 4:10).

على أنه توجد سبل أخرى على الخراف أن تسير فيها بخلاف السبل التي أوضحناها فالراعي الصالح يقودها من حين لآخر في وديان عميقة ضيقة تحفها الصخور من كل جانب، وتكمن فيها الأعداء، ويشير داود إلى هذا «بوادي ظل الموت» إلا أنه يجب أن يكون للخراف الثقة الكاملة في راعيها حتى تعبر هذا الوادي بسلام.

إن العدد الرابع في مزمور 23 يتضمن كل حزن نجتاز فيه، وكل تجربة يقودنا الرب إليها، إلا أن إشعياء 2:43 يحمل لنا أعظم المواعيد الإلهية لتعزيتنا وتشجيعنا «إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» فيعبر عنا عن أحزاننا وآلامنا وويلاتنا بالمياه، والأنهار، والنار، ولكن مهما كانت هذه المياه عميقة فالوعد لنا «أنا معك». ومهما كانت هذه الأنهار جارفة فعين الرب علينا «فلا تغمرنا». ومهما كانت النار مستعرة، فهو قادر أن يحفظنا فيها كما فعل قديماً مع الثلاثة فتية الأمناء في الأتون المحمى سبعة أضعاف.

كما أن لنا وعداً آخر في إشعياء 9:63 «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ» وما أصدق هذا الوعد! ألم يتضايق الرب عندما كان بنو إسرائيل يئنون تحت سلطة فرعون وتسخير مسخريهم؟ ألم ينظر الله إلى ضيقهم؟ ألم يسمع صراخهم؟ ألم ينزل لكي يخلصهم؟

هكذا لنا في كل ضيقاتنا من هو عن يمني الله يتضايق معنا. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يخبرنا بأن يسوع المسيح قادر أن يرثي لضعفاتنا لأنه مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. وهذا معناه أنه لا يوجد حزن، أو تجربة أو ضيق إلا وقد أختبره وجاز فيه الرب عملياً و«لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين 18:2).