العودة الى الصفحة السابقة
من هو قريبي؟

من هو قريبي؟

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال في الكتاب المقدس هو من هو قريبي؟

ماذا كان يعني المسيح عندما قال: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» (متّى 22: 39) ومن هو قريبي؟ هل هم أفراد عائلتي؟ دعونا نتأمل في بعض الحقائق:

عندما يولد الطفل، لا يرى في عالمه إلا شخصية واحدة، وهي أمه. فهي التي تطعمه. وتعتني به وتحبه. وتسعده ويسعد الطفل بها. ولكنه يكتشف بعد حين بوجود آخرين في عالمه. فيشعر أنه لا يستطيع أن يحتفظ بأمه كل الوقت. فإخوته وأخواته يشاركونه فيها. فهي أمهم كما هي أمه. وأحياناً يشعر بالغضب لهذه المشاركة ولكن هذا هو الدرس الأول الذي يتعلمه الطفل، كيف يعيش مع الآخرين؟

نجد في الكتاب المقدس أن مشكلة التعايش بين جميع الناس، بدأت أولاً بين أولاد أبينا آدم. فعندما سؤل قابيل عن أخيه هابيل أجاب: «أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» (تكوين 4: 9) لم يكن قايين محاطاً بعدد كبير من الناس، كما نحن اليوم. لقد كان معه ثلاثة أشخاص فقط، أبوه وأمه وأخوه، ومع ذلك لم يقدر أن يعيش في سلام معهم، فقام وقتل اخاه.

ومنذ أيام هذا القاتل الأول الذي لم يقدر الناس على التعايش حتى مع أخيه. أصبحت المشاحنات تملأ البيت الواحد، وحتى مع الأقرباء، وأصبحت المعارك مع الآخرين والنزاعات تشغل بال الأمم والشعوب. وأساس كل تشاحن ونزاع وحرب بين الناس كان وما زال هو قول قايين: «أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟».

لما جاء المسيح سأله الناس هذا السؤال بعينه. سأله ناموسي: «مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (لوقا 10: 25)أجاب المسيح: «ماذا يقول الناموس»؟ أجاب: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ» (لوقا 10: 27).

قال له المسيح: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا» لوقا 10: 28).

فسأله الناموسي: «من هو قريبي»؟ وهذا القول شبيه بما قاله قايين قديماً «أحارس أنا لأخي».

ما معنى كلمة «قريب».

هل يقصد المسيح، أن القريب هو الذي يعيش معك داخل البيت الواحد؟

إنه من الصعب جداً أن نحدد معنى كلمة «قريب» بهذه الطريقة. وكان يسوع يعرف هذه الصعوبة، ولكنه أجاب على سؤال الناموسي «من هو قريبي» بقصة السامري الصالح.

كلنا نعرف هذه القصة. كان إنسان مسافراً من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين اللصوص، فعروه، وجرحوه، وتركوه بين حي وميت. مرّ كاهن من هذا الطريق، ورأى هذا الرجل ولكنه تركه، وذهب بعيداً عنه. وكذلك لاوي رآه وذهب بعيداً ولكن سامري جاء، ورأى ذلك الرجل الجريح. فتحنن عليه، ونزل من على دابته، وضمد له جروحه وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق، واعتنى به حتى الصباح. ثم أعطى صاحب الفندق دينارين وقال له: «اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ» (لوقا 10: 35).

هذه هي الطريقة التي وضح بها المسيح معنى كلمة «قريب»، هذا هو جوابه على قول قايين «َحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟».

لنفكر قليلاً في هذا السامري، وما يحيط به من الناس. فهو كأي فرد منا كان محاطاً بعدد قليل. من الناس، هم أفراد عائلته، ومحاط بأقربائه، ولكن عنايته بذلك الرجل الجريح، خرجت به إلى دائرة أوسع، بعيداً عن هذه الدوائر الصغيرة، التي يعيش فيها.

الكاهن في هذه القصة، لم يعرف كيف يحب قريبه، بالطريقة التي أحبه بها السامري الصالح. لقد بنى حوله وحول المقربين إليه حاجزاً لا يتعداه.

إنه لا يهتم بأي فرد بعيد عن هذا الحاجز. فلو كان هذا الرجل الجريح من أفراد عائلته، أو من داخل هذا الحاجز لتحنن عليه وتقدم لمساعدته.

اللاوي أيضاً وضع حاجزاً يحيط به هو وعائلته وأصدقائه، وكان غير مستعد لمساعدة أحد خارج هذا السور.

أما السامري فلم يضع بينه وبين الغرباء حاجزاً. ولم يضع قيوداً تمنعه من خدمة الآخرين. لقد رأى إنساناً محتاجاً فساعده، دون أن يعرف من هو، ولا من أين جاء.

لقد أوضح المسيح في قصته أن المحبة مكلفة. لقد كلفت السامري كثيراً، ضحى بوقته، ضمد جروح الرجل مع أن هذا عمل بغيض، أركب الرجل على دابته، وسار بجواره أميالاً طويلة، وأخيراً دفع مالاً من جيبه لعلاج الرجل، وأظهر استعداده بأن يدفع أكثر. إن هذه الخدمة كلفت السامري وقتاً ومالاً. لقد كان في إمكانه أن يتخلص من كل هذه التكاليف، لو فعل كما فعل الكاهن واللاوي، وتجاهل الرجل الجريح الملقى على الأرض.

لو أعطيت لنا الفرصة أن نقيس هذه القصة لوضعنا لها نهاية تختلف كل الاختلاف عن هذه النهاية، ربما قلنا أن الرجل الجريح كان رجلاً غنياً، وكافأ السامري الصالح مكافأة سخية بعدما شفي من جراحه. ولكن هذه النهاية تفسد التعليم الذي قصده المسيح من هذه القصة.

محبة القريب ليست من الأمور السهلة. إنه أمر يكلف تعباً ووقتاً ومالاً، وربما يكلف الثلاثة معاً. لقد دفع المسيح ثمناً غالياً في محبته لأقربائه، ألا وهو الموت والصليب.

عندما يقول المسيح «اتبعني» يجب أن نعلم أن طريق إتباعه ليس أمراً سهلاً ورخيصاً. بل أمراً مكلفاً. إنه يقول لنا: «ارفع الحواجز من حول قلبك» وادفع الثمن مهما كلفك إذا أردت أن تكون قريباً لكل إنسان. حيث يقول وتحب قريبك كنفسك وهو نفسه الذي قال: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متّى 5: 44) هل نطبق تعاليم الرب يسوع في حياتنا اليوم؟ الجواب عزيزي المستمع عندك أنت.