العودة الى الصفحة السابقة
الإنسان العاجز

الإنسان العاجز

جون نور


(يوحنا 5: 1-18)

في إنجيل يوحنا والأصحاح الخامس يحدثنا البشير عن قصة الانسان العاجز الذي كان مُلقى عند بركة بيت حسدا لسنين طويلة منتظراً الشفاء، ولقصة هذا الإنسان العاجز، أهمية كبرى، لأن ما قاله يسوع وما فعله في تلك المناسبة أثار حقد الرؤساء ضده وزاد عداءهم له. ويقول يوحنا: «فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللهِ» (يوحنا 18:5).

اعترض اليهود على يسوع لأنه شفى إنساناً عاجزاً في يوم السبت، وغضبوا منه لأنه ادعى مساواته بالله «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يوحنا 5: 17). وهنا صمم اليهود على أن يقتلوه، ولم يستريحوا حتى تمموا شهوة قلوبهم الشريرة.

والآن لننظر إلى الإنسان العاجز الذي يحدثنا عنه الإنجيل. لا نعرف اسمه فهو واحد بين جموع كثيرة. ففي الخمسة الأروقة التي كانت تحيط بالبركة «كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ» (يوحنا 5: 3).

وهذه مجموعة من الناس الضعفاء المهجورين، والعجزة المنبوذين، بجانب البركة التي كان اسمها بركة بيت حسدا أي بيت الرحمة. ويُقال أن الحفريات الحديثة كشفت عن المكان عينه، حيث كانت البركة. وإن صح هذا فتكون البركة في مكان عميق، ولا بد للوصول إليها من النزول على درجات منحدرة. ووجود أولئك الناس العاجزين في ذلك المكان دليل على رغبتهم في الشفاء عندما يتحرك الماء. وكثيراً ما كانت تعج مياه البركة، وكان التعليل المألوف لذلك هو أن ملاكاً كان ينزل ويحرك الماء. ولأن الناس عزوا حركة الماء إلى نزول الملاك، فهم اعتقدوا أيضاً أن من يُلقي في ماء البركة هذه أولاً يُشفى. ويُحتمل أن يكون هناك من نالوا الشفاء فعلاً.

لما جاز يسوع بالمكان رأى إنساناً به مرض اعتراه «مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً» (يوحنا 6:5) ولا نعلم الزمن الذي قضاه ذلك الإنسان قريباً من البركة ينتظر تحريك الماء.

كان الرجل طريحاً لا يقوى على الحركة، وبالتالي لا يقدر أن يعمل أي شيء لنفسه، ومع أنه كان قريباً من البركة، فإنه فقد كل أمل في الحصول على الشفاء. وهذه صورة محزنة حقاً.

وأول شيء يوجه يسوع سؤالاً لرغبة الرجل – إن كان قانعاً وراضياً بحالته أم أنه يريد أن يبرأ. وهذه أول خطوة يتخذها المسيح دائماً مع النفس البشرية. وكان رد الرجل على هذا السؤال الأول، في قالب احتجاج. قال له: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ» (يوحنا 5: 7). وصعوبة الرجل كانت في عجزه. ولكي نفهم حالة الرجل أمام سؤال المسيح هذا، لنحاول أن نضع نفوسنا في محله. هنا شخص غريب، يمرّ به وهو لا يعرفه، ويسأله سؤالاً يوقظ به شيئاً كان قد نسيه – وكان جوابه الطبيعي أنه لا يختار البقاء في هذه الحال. ولا شك أنه يفضل أن يكون صحيحاً.

قال يسوع للرجل: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ» (يوحنا 5: 8). ولو كان في استطاعة الرجل أن يقوم ويحمل سريره لما بقى طريحاً في ذلك المكان، فيسوع يطلب منه أن يفعل الشيء الوحيد الذي لا يقدر أن يفعله. إنه يطلب منه أن يفعل المستحيل في طاقة البشر! وهذه هي طريقة يسوع دائماً، أنه يجعل النفس وجهاً لوجه أمام الشيء الذي يبدو مستحيلاً، ويأمر الشخص أن يفعل هذا المستحيل! وعندما يطلب يسوع من إنسان شيئاً كهذا يصاحب طلبه وأمره بالقوة اللازمة لتنفيذه. وها هو الرجل يمشي حاملاً فراشه – وهذه هي المسيحية في مظهر بسيط من مظاهر مجدها. وها ما فعله ويفعله يسوع مع البشر في كل الأجيال والعصور. قم فقام!

ثم يلي ذلك الأمر بحمل السرير «احْمِلْ سَرِيرَكَ». وترى لماذا طلب يسوع من الرجل أن يحمل سريره. أليس المهم أن يشفى ويمضي لحال سبيله؟ كان يمكن أن يقول الرجل «أنا شفيت وها أنا أقف على قدماي، ولكن ربما يكون من الأفضل أن أترك سريري هنا، فقد لا تستمر حالة الشفاء هذه، فاضطر إلى العودة لهذا المكان!» ولو ان الرجل ترك سريره هناك، لوجد نفسه عليه مرة أخرى.

وهناك شيء واحد يجعلنا نستمر في قوة الشفاء التي يهبها لنا يسوع المسيح، هو أن نقطع كل صلة لنا بالأماكن والأشياء التي أضعفت حياتنا وحطمتها.

وآخر كلمة في أمر يسوع للرجل: «امْشِ». مضى الوقت الذي كان يُحمل فيه هذا الرجل، والآن يستطيع أن يتحرك ويعمل بقوة الشفاء التي نالها من يسوع.

وأخيراً نتعلمّ درساً مهماً من هذا الرجل. فحالما شفى ذهب إلى الهيكل. وفي الهيكل قابله يسوع. وربما ذهب الرجل إلى الهيكل ليقدم الشكر على عطية الشفاء. وفي الهيكل قابل الشخص الذي وهبه هذه العطية. وفي الهيكل قال له يسوع آخر كلمة:

«هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ» (يوحنا 5: 14). والمسيح لا يقول لإنسان ما «لاَ تُخْطِئْ أَيْضًا»، قبل أن يقول له: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ».

وإذ نسّلم حياتنا للمسيح برضى، فهو يعطينا القوة التي تجعلنا لا نعيش فيما بعد تحت سلطان الخطية، بل بالحري نعيش في رحاب الحرية الحقيقية لأنه «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا 8: 36). هل برئت عزيزي المستمع يقول لك يسوع قم وسر في جدة الحياة معه واترك سرير الخطية خلفك.