العودة الى الصفحة السابقة
ساعة التجربة

ساعة التجربة

جون نور


«اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ» (1كورنثوس 13:10).

التجربة هي امتحان النفس. الشيطان يجربنا بالشر ليسقطنا، والله يسمح بتجربتنا بأن يضع في حياتنا فرصاً لنبذ الشر والانشغال في أعمال البطولة من أجله. وبهذا تكون لنا الفرص العديدة لنكتشف ما في قلوبنا حقاً، ونتقدم إلى حياة أجمل وأطهر وأقوى.

كل نفس طاهرة تكرهها كل نفس شريرة. ولهذا فإن الذين هم أنفسهم أشرار يسعون دواماً لجذب الصالحين إلى مستواهم الشرير. فالشيطان وكل جنوده يبغضون يسوع المسيح جداً، وتشتد كراهيتهم له كلما وجدوا أن جهودهم ضده عديمة الجدوى. أنهم لا يستطيعون الوصول إليه، لأن الآب قد وضعهم تحت قدميه في نصرة الصليب والقيامة العظيمة. هو يجلس عن يمين القوة، وقد أخضعت له كل رياسة وسلطان إلى الأبد. ولهذا فإنهم يسعون إلى الهجوم عليه بالهجوم على المؤمنين.

الله يسمح لنا بأن نجرب. إن الشرير يراقب القديسين دواماً كما كان يراقب أيوب. لكنه لا يقدر أن يقترب إليهم إلا بسماح من الله. وهذا السماح لا يُعطى إلا إذا كان أبونا السماوي يعرف أن لنا النعمة الكافية لنقاوم. وضغط التجربة يتناسب دواماً مع قوة مقاومتنا. هو أمين، وهو لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع، ومع التجربة يرسل لنا نعمته الكلية الكافية، أو يبين لنا طريق النجاة (2كورتثوس 9:12). لقد علمنا الرب بأن نطلب أن لا يدخلنا في التجربة. ولذلك فإننا نعلم بأننا إن دخلنا في تجربة فإنه سوف يعضدنا في النضال ويخرجنا منها دون أن يمسنا أقل أذى.

الله هو أبونا، وهو يحبنا محبة لا نهائية. ولذلك فلا بد أنه توجد هنالك أفضل الأسباب التي من أجلها نتعرض كثيراً إلى نيران التجارب العنيفة. هل ذلك لتعليمنا فن الحرب الروحية فتشتد أعصابنا وتصير عيوننا حادة النظر، وأرجلنا قوية سريعة الحركة.

يريد الشيطان أن يجدنا منفردين. إن العزلة في كهوف البراري لا تحصننا ضد هجمات الشيطان، بل هي بالعكس تزيدها. عندما كانت حواء بعيدة عن آدم تحدثت إليها الحية. والرب يسوع كان وحده عندما جاءه الشيطان. فاحذر من ساعات العزلة، واعلم أن أباك الذي في السماوات يرى في الخفاء. فاصرخ إليه تجده في عونك في الحال.

إن كنت تراقب نفسك بحرص فإنك تجد أن السقوط في التجربة يسبقه دائماً شر استهنت به قبل ذلك ببضعة أيام. إن الهجوم النهائي يكون مفاجئاً، لكن عوامل الشر الخفية كانت تعمل قبل ذلك بوقت طويل. لقد سقطت الشجرة فجأة أمام العاصفة التي اجتاحت الغابة ليلاً، لكن الدودة الآكلة كانت تعمل قبل تحطيمها النهائي بوقت طويل. كان سقوط بطرس قد مهدت إليه مناقشته مع باقي الرسل في العلية عمن سيكون أعظم في ملكوت السماوات. فاحرص كل الحرص وأحذر من جراثيم المرض الدقيقة التي تسبح في الهواء. محاولة أن تفرض نفسها على جسمك، وبهذا تنجو عند تفشي الأمراض الوبائية، إن أول إيعاز طارئ، إن الفكرة التي تدخل إلى القلب دون أن تنتبه إليها، وإن نظرة الاشتهاء التي تتهاون بها - هذه يجب أن تخاف منها، لأنها تفرخ في عش القلب. أنظر كيف يتناسل الشر «الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يعقوب 15:1).

الرضوخ والخضوع والتسليم هي نتيجة ميل سابق: إن الخطية التي تظهر علناً شريرة جداً، وتتطلب الاعتراف والتوبة، لها جذور عميقة. ولكي نعالجها علاجاً صحيحاً يجب أن لا نعترف بالعمل الذي ارتكبناه فقط، بل يجب أن نرجع إلى الوراء لأول إيحاء شرير سمحنا له بالبقاء في داخلنا يرتع كما يريد إن إشهار الإفلاس هو أقصى درجات شهور طويلة لسوء إدارة التجارة. ومرض السل السريع يكشف عن المرض الذي كان ينخر في الجسم طويلاً، فإن احتفظت بصحة الجسم كاملة وغذيته بكلمة الله، وتنفست بالجو السماوي عندئذ لا نخشى من هجوم المرض المفاجئ.

يمكن للشخص الذي يجرب أن يسكن بين أبواب مزدوجة: أولاً هو في المسيح، وثانياً المسيح فيه. إن كنت في المسيح فأنت فوق الشيطان، لأن الشيطان وضع تحت قدميه. فإن كنت إذن عند قدميه فأنت فوق خصمك. أثبت في المسيح. وطالما كنت ثابتاً فيه فإنك لا يمكن أن تخطئ بإرادتك أو بتعمد. إن كل جهود جهنم تهدف نحو إغراء البشر لعدم الثبات في المسيح. إن أهملنا الالتجاء في محاجئ الصخر، وذلك بالتهاون بالخطية، أو بإهمال دراسة الكتاب المقدس، أو بالسعي وراء ملذات الأرض، أو بالقلق نحو المستقبل، أصبحنا فريسة سهلة للشيطان. لكن طالما كنا نعيش في شركة معه. ملقين كل همنا عليه، ندرس كلمته ونتغذى بها، متممين كل واجب نعرفه، مراعين فعل الخير للجميع، فإننا نبقى داخل قلعتنا ونصبح آمنين.

لنضع المسيح بيننا وبين التجربة. يجب أن لا نكتفي بالمقاومة، بل لنأخذ المزيد من نعمة المسيح كترياق. لنأخذ المزيد من طهارة المسيح عند إيحاءات النجاسة، والمزيد من قوة المسيح في ساعات الخوف والإرتعاب، والمزيد من وداعة المسيح عندما نجرب بالكبرياء والافتخار، والمزيد من رقة المسيح عندما نكون على وشك دينونة الآخرين أو التصرف معهم بقسوة، والمزيد من صلوات المسيح عندما تتشتت الأفكار وتتمسك النفس بالأرض.

بهذا تتحقق نبوات المزمور 91 القديمة. وإذ نسكن في ستر العلي، وفي ظل القدير نبيت، لا يبقى هنالك أي مبرر لكي نخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار، ولا من الأسد والصل، ولا من الشبل والثعبان. فقط ركز محبتك في الله وتعلق به فينجيك.