العودة الى الصفحة السابقة
حياة المسيح المخلصة

حياة المسيح المخلصة

جون نور


المسيحية هي أكثر من دين، وأكثر من دستور أخلاقي، وأكثر من حلم لشخص مثالي ذي نزعة عاطفية. المسيحية اختبار حقيقي ناله كل مؤمن بناء على الحقيقة بأن المسيح نفسه هو كل ما تحتويه حياة الإيمان المسيحي لأنه هو الذي يسيّرها بانتظام. «أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضًا» (1تسالونيكي 5: 24).

ان المسيح لم يمت فقط لكي تخلص من ضمير شرير، أو لينزع عنك وصمة او سقطة وقعت فيها، لكن موته كان تمهيداً لعمله الإلهي فيك. لقد أخبروك بأن المسيح مات ليخلصك، وهذه حقيقة مجيدة.

نقرأ في رسالة رومية 10:5 «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!». إذاً، الرب يسوع المسيح يتعامل معك بطريقتين واضحتين: إنه يصالحك مع الله بموته، ثم يخلصك بحياته. دعنا ندقق معاً في مضمون هذه الكلمات – إن كلمة الإنجيل الأولى هي كلمة المصالحة، لكي «نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ» (2 كورنثوس 20:5).

إنها دعوة للإنسان الخاطئ أن يكون في سلام مع الله. كيف يصير هذا؟ إنه ممكن فقط بفضل الحقيقة بأن «اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ» (2كورنثوس 19:5). وبما أن الله بار، ليس لديه اختيار آخر سوى أن يحكم عليك بأنك مذنب وخاطئ – وبالطبيعة ميت بالذنوب والخطايا – فيجري عليك قضاء الموت، والحرمان من روحه القدوس، والابتعاد عن حياة الله. ولكن منذ أكثر من ألفي عام – انتقل الله في المسيح من الأبدية إلى الزمان، لكي تمتد إليك اليوم يداه اللتان سُمرتا على الصليب، فهو تألم من أجلك.. «الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (1 بطرس 18:3)، «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1 بطرس 24:2).

لهذا السبب البشارة ضرورية وملحة! وقبولها عقلياً غير كاف – يجب أن نقبلها اختبارياً! المسيح هو كلمة الله النهائية للإنسان، وكلمة الله النهائية لك... وهو ينتظر جوابك.

إن قبولك ليسوع المسيح يقرر حالتك في نظر الله – مفدي أو مُدان!

على كل حال، هذه هي بداية القصة «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ [الآن كحقيقة تمت] نَخْلُصُ [كعملية مستمرة] بِحَيَاتِهِ!» (رومية 10:5).

والحقيقة المجيدة هي هذه: إن الله لا يستعجل بأن يصالح نفسه ذلك الإنسان الذي تجاوب مع دعوته، قبل أن يضع فيه – كخاطئ مغفور الإثم – الروح القدس ويسترده إليه. هذا يكوّن حسب ما يدعوه الكتاب المقدس بالتجديد أو الولادة الجديدة «لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا» (تيطس 5:3 – 6).

وفي الصباح الثالث بعد صلبه، قام الرب يسوع المسيح من الأموات وظهر لتلاميذه. وكان يعلمهم لمدة أربعين يوماً، ثم صعد إلى الله الآب. وفي أول يوم الخمسين رجع، ليس ليكون معهم هذه المرة بهيئة مرئية – مسربلاً بإنسانيته الطاهرة التي أعدها له الله، إذ حبل به من الروح القدس في أحشاء مريم العذراء – بل ليكون فيهم ويمنحهم طبيعته الإلهية، لكي يصبحوا «أعضاء خصوصيين» في الجسد المشترك الجديد، الذي من خلاله، يعلن المسيح نفسه للعالم، إذ تكلم بشفاههم، وعمل بأيديهم... هذه هي معجزة الولادة الجديدة، وهي لب الإنجيل كله.

«أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضًا». إن الذي يدعوك لحياة البر هو نفسه – وبموافقتك – يعيش حياة البر هذه من خلالك! والذي يدعوك لخدمة الآخرين هو نفسه وبموافقتك يخدم الآخرين من خلالك! والذي يدعوك للذهاب إلى العالم أجمع والكرازة بالإنجيل للخليقة كلها، هو نفسه وبموافقتك يذهب إلى العالم أجمع ويكرز بالإنجيل للخليقة كلها من خلالك!

هذا هو السر الإلهي الذي يخلص الإنسان من عدم فائدة مجهوده الذاتي.. الأمر الذي يريح المؤمن من عبء محاولاته الذاتية! فلولا هذا التدبير الإلهي، لكانت الدعوة للمسيح مصدر خيبة مريرة، إذ تقدم صورة كئيبة عن شخص مثالي ومخلص يصيبه الإحباط دائماً بسبب قصوره.

لكن، إن وثقت بالمسيح – ليس فقط لأجل موته لكي يفتديك، بل أيضاً لأجل حياته التي يحياها وينتظر أن يعيشها من خلالك – تكون الخطوة التالية بمجهود وقوة الله نفسه. فتكون قد بدأت تعيش حياة جوهرية فوق طبيعية، إنما لا تزال متسربلاً بإنسانيتك هذه بجسدك المادي، وتشترك بالأمور التي تصبح من نصيب الإنسان الذي قد يكون قلبه مع المسيح في السماء ومع ذلك ما تزال قدماه ثابتتين وبعزم على الأرض.

ستعتمد تماماً على حياة المسيح فيك، فتصبح مستقلاً ومتحرراً من ضغوط ظروفك، ومتحرراً أيضاً من عدم الثقة بالنفس التي جعلتك تارة مغروراً، ومنتفخاً، وتارة أخرى فريسة لرثائك لنفسك – وفي كلتا الحالتين، تستعبد دائماً للخوف من رأي الآخرين فيك.

ستتحرر من عدو مهزوم يكمن فيك. وتكون أعظم من منتصر، لأنه حتى الموت نفسه هزم بحياته، فالمسيح بموته أباد «بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عبرانيين 14:2)، وهذا هو الاختصار حقاً.

ستسترد إلى إنسانيتك الحقة لتكون الوسيلة الإنسانية للحياة الإلهية. سيفتح إيمانك طاقات السماء، لأن الله سيتداخل ويفعل المستحيل – وهذا هو اختصاص الإله الخالق. وسيحتار أصدقاؤك، لأنك حقاً أصبحت خليقة جديدة «الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2 كورنثوس 17:5).