العودة الى الصفحة السابقة
هل يجوز الطلاق في المسيحية؟

هل يجوز الطلاق في المسيحية؟

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو هل يجوز الطلاق في المسيحية؟

إن الجواب البديهي على هذا السؤال هو أن الدين المسيحي لا يجيز الطلاق بين الزوجين، لأن الزواج رباط مقدس مرتب من الله.

وللإجابة على هذا السؤال بشكل واضح ينبغي إعطاء وجهة النظر الكاملة حول هذا الموضوع، لا سيما وأن هناك اجتهادات خطيرة من بعض الناس يجيزون فيها الطلاق ويبررونه.

وعلى هذا الأساس، فإنه يجدر بنا قبل التكلم عن الطلاق، أن نعرّف الزواج أولاً بحسب المفهوم المسيحي.

فالزواج بحسب هذا المفهوم هو رباط مقدس، وارتباط بين شخصين، رجل وامرأة وجدا ليتكاملا في جو من القدسية والمحبة والتفاهم والانسجام والعطاء والتضحية. وعليهما أن يعيشا معاً، ويحافظا على مبادئهما المسيحية في السراء والضراء، في أيام العسر واليسر.

والكنيسة المسيحية في كل تاريخها علمت أن زواج الرجل ينبغي أن يكون بامرأة واحدة مدى الحياة، وأن يكون كل من الزوجين، أميناً لعهود الزوجية المقدسة. وقد اهتمت الديانة المسيحية بالزواج، وجعلته من المقدسات الدينية، فمنعت تعدد الزوجات وحرمته، كما حرمت الطلاق مبدئياً كقاعدة عامة.

وذلك استناداً إلى ما قاله السيد المسيح عندما جاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» (متّى 19: 3).

«فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ. قَالُوا لَهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي» (متّى 19: 3 - 9).

عزيزي المستمع إن الزواج في المسيحية يقوم على أسس جوهرية نلخصها بما يلي:

أولاً: القدسية: فالزواج المسيحي المبني على كلمة الله، هو رباط مقدس.

ثانياً: الوحدة والاتحاد: الوحدة تقوم على أساس أن يتخذ الرجل الواحد امرأة واحدة فقد جاء في رسالة بولس الرسول لأهل كورنثوس: «لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (1كورنثوس 7: 2).

ثالثاً: المحبة والاحترام: أن يقوم الزواج المسيحي على أساس المحبة والاحترام والتفاهم المتبادل بين الزوجين (أفسس 5).

رابعاً: الثبات وعدم الانحلال: وهذا يعني أن الزواج يجب أن يدوم ولا يحل بقوة سلطان بشري إلا بموت.

بهذا نلاحظ أن الديانة المسيحية تقدس الزواج بين الرجل والمرأة تقديساً كاملاً، ولا تشجع – بل تحرم – الطلاق في الحالات التي يمكن فيها إنقاذ هذا الزواج، لأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان. وأن الطلاق إن حدث فهو معالجة لأمور شاذة لا يمكن إصلاحها.

وبناء على ذلك، على كل من الرجل والمرأة أن يحب شريكه كنفسه، والمفروض أن تدوم هذه الرابطة الزوجية المقدسة حتى الموت لأن ما «جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متّى 6:19).

إن التعاليم المسيحية المستمدة من الإنجيل المقدس تعلم أنه على الرجل أن يرتبط بزوجة واحدة فقط. فالزواج بحسب مفهوم الدين المسيحي هو سنة مقدسة رتبها الله تعالى، يرتبط فيها الرجل والمرأة برباط روحي، يُعرف برابطة الزواج.

وفي هذه الرابطة المقدسة يتساوى الرجل والمرأة، ويكون كل واحد منهما مكملاً للآخر، وذلك بحسب شريعة الله القائلة: «لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا» (تكوين 24:2).

وذلك بحسب وصيته القائلة: عندما يتزوج رجل بامرأة فإنهما «لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ» (متّى 6:19).

دعونا نسمع بتأمل ما ورد في رسالة أفسس والأصحاح الخامس بهذا الصدد «أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا» (أفسس 5: 22 - 33).

ومن هنا نتعلم أن الزواج قد جعل الرجل وامرأته جسداً واحداً. فكيف ينفصل؟ وهكذا قد أكرمنا الله بأن نمارس ونشابه علاقة المسيح بالكنيسة من خلال الزواج المقدس المكرم كما هو مكتوب: «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ» (عبرانيين 13: 4) فليعطنا الرب أن نكرمه في بيوتنا وعائلاتنا وأولادنا وله كل المجد إلى الأبد آمين.