العودة الى الصفحة السابقة
«أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ»

«أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ»

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ» (متّى 22: 21).

«تَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ. فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ قَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ. فَلَمَّا سَمِعُوا تَعَجَّبُوا وَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا» (متّى 15:22 – 22).

كَان الغَرض عند أصحَاب هَذَا السُؤال هو أن يُجرّبوا المَسيح أو يَصطادوه بِكلِمة، وقد أدرَكَ المَسيح ذلك وفهم اتجاه قلوبهم الشِرّيرة.

الذي يَأتي لِلمَسيح وَيَسأل بِروح الاتضّاع، حَتماً سَيَتعَلّم وَيَعرِف المَزيد، أمّا الذي يَسأل بِمثل هَذِه الدَوافِع التي كَانَت لِهَؤلاء، فَلَن يَتعلّم أبَداً، وَيَتقَدّم في جَهلِه وَيَزداد في ظَلامِه الروحي.

جَواب المَسيح

بَرُغم أن المَسيح علم أفكارهم وَدَوافِعهُم، مِمّا يُبرّر غَضبه عَليهم، وأن يُجيبهم بِحِدّة. لكنه لم يَفعَل، بل أجابهم بِهدوء وَحِكمة لا تُقاوَم. وقبل أن نَتوقّف أمَام كَلِمات المَسيح التي أسكَتتهم، نُؤكِدّ أن الحُكومة أيّام المَسيح كَانَت تَحصُل عَلى ثلاثة أنواع مِن الضَرائِب.

1 - ضَريبة الأَرض: وهِي عِبارة عَن عُشر مَحصول الحُبوب، وخُمس إنتاج الزيت وَالخَمِر، بَعضه يُقدّم عِنَباً وبَعضه يُقدّم بِما يُساويه مِن المَال.

2 - ضَريبِة الدَخل: وَهِي تُساوي وَاحِد عَلى مَائة مِن دخل الشَخص سَنَوِيّاً.

3 - ضَريبِة الرَأس: وهِي عِبارة عَن دينار عَن كُل فَرد من 14 – 65 سنة، وهي أجِر عَامِل في اليَوم، وَكَانت تُسمّى أحياناً مُعاملة الجِزية وعَن هَذِه الضَريبة الأخيرة كَان مَوضوع السُؤال.

وقبل أن يُجيب المَسيح عَلى سُؤالهم طَلب مِنهم أن يَعطوه دِيناراً فَقدّموا له ديناراً، فَسَألهم: لِمَن هَذهِ الصُورَة وَالكِتابة؟ قَالوا: لِقَيصَر. فَقالَ لهم: أعطوا إذاً مَا لِقَيصَر لِقَيصَر وَما لله لله.

لقد قَصَدَ الرب أن يَكشِف رَيائهم، وَالفِرّيسِيّون بِصِفة خَاصّة، إذ قَال: لِمَاذا تُجَرِبونني يَا مُراؤون؟ لقد بَرهَن الرب بِهَذا الطَلب أنهم يَتعامَلون بِالدينار الذي يَحمِل صورة قَيصَر وَتَوقيعه، وفي هَذا اعتِراف بِسُلطانِه وَحَقّه في الضَريبة. لقد قَدّموا لِيَسوع دِيناراً فَور طَلَبِه، وهذا تأكيد أنهم يَستَعمِلونه، ومن ثم فَليدفعوا الجِزية لِصَاحِبها. وَفي إجابِة المَسيح يُمكِننا أيضاً أن نَستَنتِج الحَقائِق وَالمَبادِئ التَالِيّة:

1 - عَلى المَسيحي أن يَخضَع لِلحُكّام وَيُكرِمهُم

مَع أن المُؤمِن الحَقيقي هُوَ مُواطِن سَمَاوي، أي له جِنسِيّة سَمَاوِيّة، حَيثُ أن «سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا» (فيلبي 20:3)، لكنه أيضاً يَعيش عَلى هَذِه الأرض، يَنتَمي إلى المَكان وَالزَمان، وَبِالتَالي يَنتَمي إلى مَملَكِة أو حُكومة أرضِيّة عليه أن يَخضَع لها، فهو يَتمتّع بِخَدماتها مِن تَعليم وَمُواصَلات وَكَهرباء وَمِياه وَدِفاع... الخ، وَبِالتَالي يَدفَع الضَرائِب المَطلوبة بِأمانة، بَل وَعَليه أن يُصلّي لأجل هَؤلاء الوُلاة وَالحُكّام.

تقول كلمة الله: «فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ» (1بطرس 13:2 – 17). « فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ» (1تيموثاوس 1:2، 2).

2 - عَلى المَسيحي أن يُطيع الله ويُكرِمه

إن قَيصَر (أو غَيره) ليسَ الله، فالله وَحده هو الإلَه المَعبود: «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج 1:20). و«يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال 29:5). والإنسان المَسيحي يُحِبّ وَطَنِه، لأنه يُحِب الله وَيُكرِمه، والرب يُعلّمه أن يَكون أميناً تِجاه وَطَنِه. وَمِن دَوافِع مَحَبِّة الإنسان وإكرامه لله أن يُطيعه وَيُكرِمه مِن خِلال مَحَبّتِهِ لَوَطَنِه.

3 - الإنسَان يَحمِل صُورِة الله كَما تَحمِل العُملة صُورِة قَيصَر

لأن العُملة تَحمِل صُورِة قَيصَر فَهِيَ ملك له، وَهَكَذا يَنبَغي أن تُدفَع الضَريبة لِقَيصَر. وَالإنسان خُلِقَ عَلى صُورِة الله «وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين 26:1، 27). فَالإنسان يَحمِل صُورِة الله، فَهوَ في الأسَاس مُلك لله، وَما لله يُعطى لله. نَعم شَوّهت الخَطِية هَذِه الصُورَة، بَل وَأضَاعَتها، لَكِنها تَعود مِن جَديد للإنسَان في المَسيح يَسوع.

نعم أعزائي المستمعين أراد الرب يسوع أن يعلمنا أن نخضع للرؤساء والسلاطين وأن نكون فاعلين في مجتمعنا لأننا نعطي من خلال ذلك مثالاً اننا نعبد إلها علمنا ذلك ولكن الطاعة تكون في فقط ما يرضي الله وليس في ما يخالف مشيئته. ليعطيكم الرب نعمة وبركة لتصنعوا مشيئته على هذه الأرض آمين.