العودة الى الصفحة السابقة
من وحي الآلام والقيامة

من وحي الآلام والقيامة

جون نور


«»

أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو من وحي الآلام والقيامة.

عندما نتحدث نحن كمسيحيين عن الصليب وعن القيامة فنحن نتحدث عن وقائعَ وأحداثٍ راسخةٍ واضحةِ المعالم وموثّقةٍ بوثائق نبواتٍ سابقةٍ للميلاد، ووثائق وحيٍ رباني في الانجيل لا تبديل لكلماته، تؤيدها وثائق تاريخية دامغة فلا مكان فيها للشك أو التأويل ..

فصليب المسيح وقيامتَهُ من بين الأموات وما تبعهما من أحداثٍ هي أحداثٌ جليه لا تحتمل الظن أو الإبهام. ولم تُواجَهْ في التاريخ بأي تناقض أو إزدواجية في الرأي أو التفسير بين جميع الطوائف المسيحية على اختلاف مسمياتها.

وفي هذا الحديث لديَّ الملاحظات التالية:

أولاً: الأناجيل الأربعة التي تشكل كامل إنجيل المسيح كلها تشهد لأحداث الصلب وكلها تلقي الضوء على حدث القيامة بتفاصليه الدقيقة، بعد الاناجيل الأربعة يأتي سفر أعمال الرسل وما تبعه من أسفار الرسائل، وكلها تؤكد على صحة الأحداث الخاصة بالصليب وبالقيامة، وتلقي مزيداً من الضوء على معنى الصليب، ولماذا صُلب المسيح؟ وعلى القيامة وما تعنيه قيامة المسيح في عمق العقيدة المسيحية فمسيحياً، الأمور واضحة لدينا لا لُبْسَ فيها، ونتمنى أن تكون كذلك لدى غيرنا من أصدقائنا أصحاب الرأي الآخر.

ثانياً: قيامة المسيح من القبر بعد صلبٍ مؤكد وموت محقق رسخت في قلوبنا كأتباعٍ للمسيح العزة والفخار بالانتماء إليه، فالمسيح قام من القبر .. وهو الآن حي ولا مكان له بين الموتى ولا مقر له بين القبور كبقية الانبياء... فهو حيٌ بهيئته التي عاش بها في أيام وجوده على الأرض. ولذلك حين نصلي ونخاطبه في صلواتنا فهو يسمعنا ويستجيب لأدعيتنا، لأنه حيٌ بطريقةٍ مميزة تختلف عما يُقال عن الموتى الأحياء عند ربهم. فهذا مظهر من مظاهر اعتزازنا بالإنتماء إليه.

ثالثاً: قيامة المسيح أعطتنا عربون الحياة المؤكدة بعد الموت، لأن المسيح مات وقام، فالموت ليس هو الفناء كما يتوهم البعض، فعندما مات المسيح ذهب إلى عالم الأموات وصرف وقتاً كافياً للتأكيد على موته. ثم عاد من جديدٍ وقام ليؤكد لأتباعه أن الطريق آمنٌ، وأن عبور هذا النفق المعتم الذي يسمونه الموت هو عبورٌ مأمون ينتهي بحياةٍ أفضل في عالم الخلود.

رابعاً: قيامة المسيح تحمل في طياتها معنى التحدي في وجه الشيطان عدو الصليب وعدو القيامة، فالشيطان يرتعب من ذكر الصليب، لأن الصليب مفتاح الحياة، والشيطان عدو الحياة ولأن الصليب أنجز عملية المصالحة بين الله والانسان.. وبعد الصلب جاءت القيامة لتؤكد وتختم على صدق رسالةِ الصليب / رسالةِ الفداء.

خامساً: صُلب المسيح ودُفن ثم قامت السلطات الرومانية بدحرجة حجر كبير على باب القبر وأقامت عليه الحراس، وفي اليوم الثالث من الدفن هبط ملاكان من السماء على باب القبر ودحرجا الحجر عن بابه، وقام المسيح بمجد فارتعب الحراس وصاروا كالموتى من هول ما حدث. وبنفس الوقت ومع الخيوط الأولى من فجر يوم الأحد، وبينما الناس نيام حضرت إلى القبر بعض النسوة من المؤمنات وبينهن مريم المجدلية، حاملات الطيب لينثرنه على جسده تكفيناً له، فالقبر كان مغارة محفورة في الصخر يسهل فيه الوصول إلى جثة الميت، وكن محتارات في الطريق من يمكن أن يدحرج لهن الحجر عن باب القبر لأن الحجر كان كبيراً.

وعندما وصلن إلى ساحة القبر ذهلنَ إذ وجدن الحجر قد دُحرج، وبدى القبر فارغاً في الداخل... وبينما هن يتلفَّتن هنا وهناك محتاراتٍ ظهر لهن ملاك وفاجأهن بسؤالٍ محيّر:

«لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ!» (يوحنا 24: 5 و6).

كلمات الملاك هنا ليست مجرد سؤال.. بل هي إعلان قرار، والقرار ربما لم تستوعبه النسوة المؤمنات فور سماعه بسبب رهبة الموقف من جهة وتراكم الأحداث المتتابعة خلال ذلك الأسبوع من جهة أخرى.. ولكن بالنسبة لنا نحن اليوم فالرسالة التي حملها الملاك للنسوة تبعث فينا العزة والفخار، لأننا ننتمي إلى سيدٍ حيٍّ صرع الموت في عُقْرِ داره، وقام غالباً، وحطَّم وحشة القبر.. ولم يعد له مكان في مدينة الأموات.

فالمسيح حي ولذلك سيأتي ثانية ليختطف المؤمنين، لينتشلَ أحبائُه من عالم الضيقات والآلام والصعوبات، وليُدخلَهُمْ مجدَهُ، وطوبى للمستعدين لمجيئه.

سادسا: كلمة أخيرة أهمسها في أذن من يهمه الأمر...

مسيح بهذه الأوصاف... وبهذا المجد والجلال... مسيحٌ كهذا هو ليس للمبادلة أو المساومة بدين آخر... ولا نقبل بغيره أحد. فالذين خلعوا عنهم ثوب المسيح واستبدلوه بغيره، استبدلوا الربح بالخسارة فتعبوا وتأوّهوا وكثيرون ندموا لأنَّ الصفقة الخاسرة أوهمتهم بأحلامٍ ظهرت فيما بعد بأنها سرابٌ جرَّ وراءه ولعل الوقت الآن يشكل لمثل هؤلاء الفرصة ليعودوا، فرحمته تشملهم لو اتخذوا القرار الحاسم قبل أن يكتمل فيهم قوله: «من أنكرني قدام الناس أُنكره أمام أبي الذي في السموات!».