العودة الى الصفحة السابقة
محبة الله لا تتغير

محبة الله لا تتغير

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو محبة الله لا تتغير.

لمدة ثلاث سنوات عاش المسيح مع تلاميذه يحاول أن يعلمهم حبه، ليس فقط بالقول ولكن بالعمل أيضاً. وفي ليلة محاكمته أخذ المغسل واتزر بمنشفة، وعوضاً عن الخادم غسل أرجل التلاميذ لكي يعلمهم حبه غير المتغير في كل الظروف.

لا توجد كلمات أعذب من تلك التي قالها المسيح في الأصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي». فكر في الإله القدير خالق السماء والأرض الذي يحبك ويحبني. «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا 14: 20 و21 و23).

هل تستطيع عقولنا البشرية عزيزي المستمع أن تدرك هذه الحقيقة الجليلة، أن الله المثلث الأقانيم يحبنا لدرجة أنه يشتاق أن يأتي إلينا ويسكن معنا؟! ليس اليوم، أو أيام، ولكن يسكن في قلوبنا إلى الأبد!!

في يوحنا 23:17 نقرأ هذا القول: «أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي». ولنلاحظ أنه لم يكن هناك سبب يدعو الآب أن لا يحب الابن. كان مطيعاً إلى الموت، ولم يكسر وصية واحدة من وصايا الآب، ولم يحد قيد أنملة عن طريق طاعته. لكن الأمر مختلف معنا تماماً، فبالرغم من كل عنادنا وغباوتنا فهو يقول إننا إن كنا نثق في المسيح فإن الآب يحبنا كما أحب الابن. يا للعجب! أن يحبنا الآب بنفس المحبة التي أحب بها الابن، أمر أعظم من أن نصدقه! لكن هذه هي الحقيقة التي علمنا إياها الرب يسوع المسيح.

من الصعب أن تجعل الخاطئ يصدق حقيقة محبة الله غير المتغيرة، فعندما يبتعد الإنسان بعيداً عن الله يظن أن الله يبغضه، لكن ينبغي علينا أن نفرق بين الخاطئ والخطية. الله يحب الخاطئ، لكنه يبغض الخطية، لأنها لا تتفق مع صفاته القدسية. وهو أيضاً يكره الخطية لأنها أفسدت حياة الإنسان، ولذلك فبسبب حب الله للبشر الخطاة فهو يكره الخطية التي استعبدتهم.

في سفر إشعياء 15:49 و 16 نقرأ هذا القول: «هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا».

إن أقوى محبة بشرية نعرفها هي محبة الأم. أمور كثيرة قد تفصل الرجل عن زوجته، الأب قد يدير ظهره لأولاده، الإخوة والأخوات قد يصبحون أعداء، الأزواج قد يهجرون زوجاتهم والزوجات أزواجهن، لكن محبة الأم تثبت على الدوام. في الصيت الحسن وفي الصيت الرديء.

ابن لأم أرملة، بسبب قدوة أبيه السيئة له قبل موته سار في طريق الشر وأصبح من اعتى المجرمين. ارتكب جريمة قتل وقدم إلى المحاكمة. وطوال المحاكمة كانت الأم المسكينة تجلس في ساحة القضاء. وكلما شهد أحدهم ضد ولدها كانت تتألم أكثر من آلامه هو شخصياً، وعندما ثبتت إدانته وحكم عليه بالموت. كان كل الحاضرين يشعرون بالارتياح لعدالة الحكم، أما هي فقد ارتمت على الأرض تبكي وتولول وتنتحب. طلبت أن تستأنف الحكم، لكن طلبها رُفض. وعندما نفذ حكم الإعدام طلبت جسد ولدها لتدفنه لكن أيضاً وكالمعتاد في تلك البلدة دفن في ساحة السجن. بعد هذا بقليل ماتت الأم، لكن قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة طلبت أن تُدفن بجوار ولدها! لم تخجل من أن يعرف الناس عنها أنها أم ذلك المجرم القاتل، لأنه ولدها وهي تحبه.

فتاة تركت بيتها وتنكرت لأمها الأرملة التي لا ولد لها سواها وسارت في طريق الغواية والشر. بحثت عنها أمها في كل مكان لكن بلا جدوى، وأخيراً هداها التفكير أن تعلق صورتها على جدران إحدى الجمعيات التي تهتم برعاية الفتيات الساقطات. كثيرات ألقين نظرة غير مكترثة على تلك الصورة، لكن إحداهن أطالت النظر إليها، إنها صورة نفس الوجه العزيز الذي كان يرنو إليها في طفولتها. لقد خيَّل ليها أن شفتي الصورة تتحركان، وتهمسان في أذنيها قائلتين:

«تعالي إلى البيت... لقد سامحتك... وأنا لا زلت أحبك». لقد غلبت تلك الابنة الضالة بنظرة صورة أمها إليها، وتبكتت بشدة على خطاياها. وبقلب ملؤه الحزن والخجل عادت إلى بيتها الذي هجرته. وهكذا التأم شمل الأم وابنتها مرة ثانية.

لكن دعوني أقول لكم إن محبة أي أم لا يمكن أن تقارن بمحبة الله. ولا أم في الوجود أحبت أطفالها بنفس مقياس المحبة التي أحبنا الله بها. فكروا في تلك المحبة التي دفعت الله أن يقدم ابنه ليموت عن العالم، «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3).

من منا يستطيع أن يصل إلى عمق هذه الكلمات: «هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ»؟ من منا يستطيع أن يقيس علو هذه المحبة أو أن يسبر أغوارها؟ صلى بولس مرة طالباً أن يعرف علو وعمق وطول وعرض محبة الله، لكنها كانت أعظم مما يتصور، إنها محبة «فائقة المعرفة».