العودة الى الصفحة السابقة
مريم العذراء

مريم العذراء

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو القديسة مريم العذراء.

سنتكلم عن مريم التي أختارها الله لعمل عظيم بدل التاريخ الإنساني. إنها مريم العذراء، أم يسوع المسيح، التي ورد تكريمها في الكتاب المقدس وباركتها وطوبتها جميع الأجيال.

يذكر التقليد الكنسي، بأن يواكيم وحنة هما والدا مريم العذراء، وهما من نسل داود الملك، ومن سبط يهوذا، وسجلاتهما مدونة في بيت لحم، المدينة الصغيرة الواقعة على جبال فلسطين بالقرب من مدينة القدس. هناك ولدت مريم العذراء ابنها البكر يسوع الذي غير التاريخ البشري، وغيّر مقاييس العلاقات الإنسانية بحياته وتعاليمه وموته وقيامته. إنه المسيح ابن العذراء، والذي يُطلق عليه البعض اسم عيسى بن مريم.

جميعنا نؤمن بان مريم العذراء، امرأة فاضلة، وقديسة طاهرة، اختارها الله من بين نساء العالم أجمع لتكون أماً للمسيح، مُخلص الإنسان من الخطية والموت. فقد جاء رئيس الملائكة جبرائيل من أمجاد السماء وبشر الفتاة الطاهرة التي لم تعرف رجلاً بأنها ستحبل ليس من زرع بشري، بل بطريقة عجائبية من روح الله القدوس. فقال لها الملاك، «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». وأكمل الملاك بشارته، «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لو 28:1 – 35).

لقد اختيرت مريم العذراء لأنها وجدت نعمة عند الله بسبب قداستها وطهارتها، بحيث أن الله رفعها وباركها وكان معها، ووضع أمانة في عنقها، ألا وهي ابنه المتجسد يسوع (ابنه بطريقة روحية وليست جسدية).

فحملت مريم في أحشائها طفلاً ليس ككل الأطفال، وكان هذا بأمر من الله جاء مباشرة إلى العذراء. لقد آمنت مريم بكل كلمة قالها الملاك لها، وشكرت الله على الثقة التي وضعها فيها. وأخبرها الملاك بأن قريبتها أليصابات امرأة زكريا الكاهن من مدينة يهوذا، هي حُبلى أيضاً وفي شهرها السادس، بالرغم من شيخوختها. وهذا الخبر دفعها لأن تذهب مُسرعة لتطمئن على أليصابات نسيبتها. وحين وصلت، ارتكض الجنين في أحشاء أليصابات أمام الطفل الذي في أحشاء مريم، فباركت أليصابات مريم بسبب ما حدث وأنشدت مريم تقول، «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ» (لوقا 46:1 – 53). حبلت مريم حسب إرادة الله وولدت المسيح المخلص. ولا شك أنها كانت ترعاه بعناية ورعاية ومحبة، وكانت تهتم بأموره الحياتية والروحية. ويذكر الكتاب المقدس أن يسوع كان ينمو في القامة والنعمة أمام الله والناس.

كانت مريم العذراء أماً طيبة تهتم بشؤون المسيح الدينية والمدنية. واعتادت أن تأخذه معها إلى أورشليم (القدس) في الأعياد الدينية. ونعلم هذا من القصة التي حدثت حين كان عمر يسوع أثني عشر عاماً، وذهب إلى هيكل المدينة المقدسة أورشليم، وبقي بين شيوخ ومعلمي الهيكل يناقشهم في الأمور الكتابية دون علم أمه مريم ويوسف رجلها، لظنهما بأنه يلعب مع أولاد الأقارب والأصحاب. وحين تأخر، انشغل بالهما وذهبا إلى الهيكل ليبحثا عنه فواجده، وقالت له مريم: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ (يوسف) وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ! فَقَالَ لَهُمَا: لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟ (أي الله) ... وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا» (لوقا 48:2 – 51).

كانت مريم العذراء مثالاً يُحتذى من نساء العالم أجمع، وكانت عنواناً للبراءة منذ طفولتها. لقد اختارها الله لأنها وجدت نعمة لسبب إيمانها القوي وخضوعها التام لإرادة السماء. لم تهتم مريم العذراء منذ البداية بأقاويل الناس بأنها ستحبل دون زواج شرعي. والأهم في الأمر، أن جزاء الزنى في العهد القديم كان الرجم. لم تخف من شيء لأنها آمنت بوعد الله لها بأنه سيكون لها سلام، وستلد ابناً يُسمونه عمّانوئيل أي «الله معنا». وحين كلمها الملاك عن قريبتها الشيخة أليصابات، كما ذُكرت بأنها حامل، آمنت بقوله وأسرعت لتطمئن على أليصابات، وعلى الأرجح بقيت عندها حتى أيام ولادتها لتُساعدها في أعمالها.

نقول مع الأجيال كلها، طوبى للتي ولدت المسيح وربته، طوبى لمريم العذراء. ولكن هذا لا يكفي، ولنكمل شكرنا لمريم على ولادة المسيح المخلص، علينا أن نعيش كمريم العذراء، فيكون إيماننا قوياً وثابتاً بخلاص الرب يسوع المسيح. وعلينا أن نحيا كما فعلت هي فنسير مع المسيح خطوة خطوة ونخضع لإرادة الله بلا خوف. ولنعلم أن السلام الموعود لمريم العذراء هو لنا أيضاً إذا خضعنا لنعمة الله وإرادته كما فعلت هي. وكذلك لنأخذ مريم العذراء مثالاً لنا بالإخلاص ومحبة الآخرين من الناس، فنساعد كما ساعدت هي، ونطلب ونصلي للسيد المسيح أن يتحنن على الآخرين وعلينا ويرفعنا بيمينه لنسعد بحياتنا معه ونطمئن لمستقبل حياتنا الروحية.