العودة الى الصفحة السابقة
«اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟» (مزمور 1:27)

«اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟» (مزمور 1:27)

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟».

ما قرأت هذه الآية مرة إلا وامتلأت نفسي بالاطمئنان. واطمئناني هذا هو حاصل ثقتي الكاملة في الله، الذي هو نور وخلاص لكل الذين يدعونه بالحق.

رسم فنان لوحة عنوانها «هدوء في قلب العاصفة» فصور بحيرة متلاطمة الأمواج وفي وسطها صخرة كبيرة عالية. وفي تجويف بأعلى الصخرة عش جلس فيه عصفور، مستغرق في النوم. فزئير العاصفة حوله، وهدير الأمواج وقصف الرعود لم تستطع منعه من التمتع بإغفاءة ناعمة. كان هدوء العصفور مرتكزاً على وجود عشه في رأس تلك الصخرة، التي لا تستطيع أعتى الأعاصير أن تزعزعها.

يُقال إن داود نظم المزمور 27 حين كان جيش شاول الملك يطارده للقضاء عليه. ومع أن المطاردة كانت عنيفة حتى الموت فقد كان داود مطمئناً نتيجة اختباره لأمانة الله الذي أتكل عليه، فامتلأت نفسه بالفرح وراح ينشد: «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ عِنْدَ مَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا» (مزمور 27: 1 و2).

فالرب الذي أسقط جليات الجبار في يده لم يتغير، ولم يزل هو هو، سنداً قوياً وحصناً متيناً لكل من يلتجئ إليه. كان يوم الشر موجوداً فعلاً، ولكن ثقته في الله كانت أقوى من اليوم الشرير. كان موقناً كل الإيقان أن الرب سيخبئه في مظلته يوم الشر. فقال: «صِرْتُ كَآيَةٍ لِكَثِيرِينَ. أَمَّا أَنْتَ فَمَلْجَإِي الْقَوِيُّ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ» (مزمور 71: 7 و91: 2).

«اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ» (مزمور 46: 1 و2).

لنذكر وعود الله المقطوعة لنا: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» (إشعياء 43: 1 و2) «لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ» (مزمور 91: 10) «بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. لأَنَّكَ قُلْتَ: أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي. جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ» (مزمور 91: 4 و5). «إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي» (مزمور 27: 3)! ولو سُئل، لماذا لا يخاف قلبك؟ لأجاب فوراً: لأني جعلت الرب متكلي، فهو عن يميني فلا أتزعزع. ترسي هو وقرن خلاصي. الرب ملجأي ومناصي.

فإن قال أحدنا: أنا خائف من جهة خطاياي، يقول له في إشعياء النبي: «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا» (إشعياء 1: 18 و43: 25). وإن قال أنا خائف من الأخطار التي تهدد حياتي، يقول له في المزمور 103: 4 «أنا أَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ». وإن قال: أنا خائف من جهة طعامي، يقول له المسيح: «أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ!» (متّى 10: 31) «اتَّقُوا الرَّبَّ يَا قِدِّيسِيهِ، لأَنَّهُ لَيْسَ عَوَزٌ لِمُتَّقِيهِ. الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مزمور 34: 9 و10). وإن قال أنا خائف على مستقبلي، يقول له: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» (رؤيا 1: 8). وإن قال: أنا خائف من أعدائي، يقول له: «مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ» (زكريا 2: 8).

«بِالرَّبِّ تَفْتَخِرُ نَفْسِي. لأنه مِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي» (مزمور 34: 2 و4).

شكراً لله وألف شكر! فهذا الامتياز العظيم مُنح لكل واحد منا، لأن راعي النفوس قال: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا... تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (يوحنا 6: 37 ومتّى 11: 28).

قال الرسول بولس: « مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية 8: 35 و38 و39).

لنا إيمان أيها الاخوة، وإيماننا يغلب ويتزكى، لأن موضوع إيماننا هو المسيح، والمسيح قال: «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يوجنا 16: 33). ولنا رجاء ينتظر، وسينال ما يرجوه، لأن الله «وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (1بطرس 1: 3 و4).

ولنا محبة، والمحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج، لأنها تحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وتصبر على كل شيء وترجو كل شيء.

ويختم المرنم مزموره الرائع بالقول: «انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ» (مزمور 27: 14). ما أحلى انتظار الرب، لأن مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء 40: 31).

حين علت الأمواج على سفينة التلاميذ وهم في عرض البحر اضطربوا وجزعت قلوبهم. ولكن فيما الخوف يرعبهم اقترب يسوع منهم ماشياً على وجه الماء وقال: «أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا» (متّى 14: 27). ويا لها من كلمة تشيع الاطمئنان في النفس. وقد كتبت في الإنجيل حتى حين نتلوها نذكر أن الفادي الرب الذي انتهر العاصفة وأسكتها، هو أيضاً فادينا. وهو يستطيع أن ينتهر مخاوفنا ويشيع السلام والطمأنينة في قلوبنا المؤمنة به. وهو يتمم وعده معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر. لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار.