العودة الى الصفحة السابقة
بحبره شفينا

بحبره شفينا

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو بحبره شفينا.

أريد في هذه الحلقة أن أذكركم أعزائي المستمعين بالآيات التي تتكلم عما عمله الرب يسوع في موته الكفاري نيابة عن الخطاة «لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ»(رومية 6:5). «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ» (1بطرس 24:2). «وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 6:53). «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ» (1بطرس 18:3).

وأريد أن أوجه إلاهتمام إلى آية واحدة من سفر إشعياء «5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (6:53). فالله يعتبر الخطية مرضاً ويضع أمامنا العلاج النافع للشفاء منها.

تعالوا معي أعزائي المستمعين لنتأمل معاً في جلدات الرب يسوع. أراد الله أن يفدينا فأرسل إبنه الوحيد إلى العالم. أخذ طبيعتنا، عاش بين الناس كواحد منهم. وبعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً جاء الوقت المعين الذي فيه يقدم أعظم خدمة للبشر وهي أن ينوب عنهم وأن يحل عليه «تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا». فذهب إلى جثسيماني حيث تذوق أول جرعة من كأس الغضب فتساقط منه العرق كقطرات دم. ثم ذهب إلى بلاط بيلاطس وأمام كرسي هيرودس، وهناك تجرع كؤوساً عديدة من الألم والمرارة كان علينا أن نشربها. وآخر الكل أخذوه إلى الصليب وسمروه عليه ليموت نيابة عنا.

إن كلمة «حبره» أي جلداتة تعبر عن آلامه الجسدية والنفسية. فقد إشترك عقله مع جسده في تحمل أحزان لا يمكن وصفها. لقد كان يتوجع ويتمخض حتى سال العرق كقطرات دم نازلة على الأرض. من النادر جداً أن يسيل العرق كالدم، ومتى حدث ذلك فإن الشخص يموت في الحال، لكن مخلصنا لم يمت عقب هذا المجهود المضني، لكنه جفف وجهه من هذا العرق المدمم وخرج إلى دار رئيس الكهنة. وفي سكون الليل الرهيب ربطوه وأخذوه خارجاً وإقتادوه إلى هيرودس وبيلاطس.

هناك جلدوه..! وبصقوا على وجهه..!! ولطموه..!! ووضعوا إكليلاً من الشوك على رأسه..!! كان الجلد أشد أنواع التعذيب عند الرومان، وكانت السياط تُصنع من جلود الثيران، وكان السوط يحتوي على عقد تحمل قطعاً من شظايا العظام المدببة. وفي كل مرة يهوى فيها السوط على الظهر العاري كان يسبب جرحاً عميقاً ينزف منه الدم. وقد أحني مخلصنا ظهره ليقاسي أشد أنواع التعذيب بالسياط الرومانية.

ولم يكن هذا التعذيب بالجلد هو نهاية آلامه، بل مقدمة لصلبه. ولم يكتفوا بجلده، بل لطموه ونتفوا شعره، ولم يعدموا وسيلة للتعذيب إلا وإستخدموها. ورغم ضعفه، ورغم الدماء التي تسيل منه، أجبروه على حمل صليبه، ولولا خوفهم من أن يموت وهو سائر في الطريق قبل أن يصل إلى الجلجثة لما سمحوا لسمعان القيرواني بحمل الصليب بدلاً منه.

ثم عروه من ثيابه..!! ووضعوه فوق الصليب..!! وسمروه بالمسامير..!! ثقبوا يديه وقدميه..!! ثم رفعوا الصليب وهو معلق عليه فتزحزحت أعضاؤه من مكانها كما هو مكتوب: «كَالْمَاءِ انْسَكَبْتُ. انْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي» (مزمور 14:22). ظل معلقاً تحت أشعة الشمس المحرقة التي أذابت قوته فقال: «صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي» (مزمور 14:22 و15).

هناك ظل معلقاً بين السماء والأرض. في البداءة كان جسمه محمولاً على قدميه لكن بعد أن مزقت المسامير أعصابه، وقع الثقل الأكبر على يديه المشدودتين المثقوبتين فتمزقت عضلاتها الواهنة. لا شك إننا أختبرنا الألم الذي يسببه جرح صغير في اليد أو في أحد الأصابع. فكم وكم يكون الألم الذي تسببه المسامير الغليظة وهي تشد على اليدين والقدمين فتمزق العضلات والأعصاب والأنسجة الدقيقة. لقد تجمعت في ذلك الجسد الضعيف كل أنواع الآلام الجسدية التي يمكن أن يُصاب بها إنسان.

لا توجد لغة تستطيع أن تعبر عن عظم آلامه. فحين سُمر على الصليب تحمل عذاباً لم يتحمله أي شهيد في التاريخ لأن الشهداء في عذاباتهم كانوا قريبين من الله إنهم تهللوا وسط آلامهم، لكن فادينا كان متروكاً من الآب حتى إنه قال: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46). كانت هذه الصرخة أقوى عذاب قاساه، وأشد حزن إجتاز فيه. لكن كان ينبغي أن يتركه الآب لأن الله لا يستطيع أن ينظر للخطية، لذلك أدار وجهه بعيداً عن ذاك الذي جعل خطية لأجلنا.

حين تثق بكل قلبك في المسيح المتألم لأجلك، حينئذ تكتشف أن الله لا يمكن أن يعاقبك بسبب خطاياك التي حملها المسيح عنك لأن عدل الله لا يسمح أن يؤحذ الدين مرتين: من الفادي مرة، ومن المدين مرة أخرى. وما دام المسيح قد سدد الدين فلم يبق بعد شيء لتدفعه. وقبولك للمسيح المتألم لأجلك يعني أنك صرت حراً من كل دين. لقد الحكم عليك في المسيح، والآن لا شيء من الدينونة عليك.

عزيزي المستمع، هل قبلت المسيح كنائب عنك أمام الله؟ إن كان الأمر كذلك فلتضم صوتك مع المفديين وهم يهتفون قائلين «بحبره شفينا».