العودة الى الصفحة السابقة
أنا هو نور العالم

أنا هو نور العالم

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو أنا هو نور العالم.

«فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ» (تكوين 1: 1 و2). هذا كان في البدء، لكن عندما جاء الرب يسوع إلى عالمنا لم تكن الأرض خربة أو خالية، لكن الظلمة الكثيفة التي كانت تغطي الأرض كانت أعظم من أن توصف!!

والظلمة لم تكن مجرد ظلمة العقول أو الظروف ، لكنها كانت ظلمة القلوب الآثمة.. ولقد جاءت هذه الظلمة البشعة نتيجة لكثافة الحجب التي فصلت بين الله والإنسان. ولقد صور إشعياء هذه الحالة المأساوية عندما قال: « هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ» (إشعياء 59: 1 - 4).

ما أبشع هذا الظلام، ظلام الخطيئة الذي جسمه إشعياء وكل ذلك كان نتيجة لأن آثامهم صارت فاصلة بينهم وبين إلههم.

لكن، في وسط هذه الظلمة المخيفة كانت النبوات تتوالى لتشجع هذا الشعب التائه البائس السالك في الظلمة والجالس في ظلال الموت، مؤكدة أن الفجر قادم لا محالة.

كان للشعب الجالس في الظلمة شوق وحنين لأن تتحقق هذه النبوات ومع طول الانتظار اعتصره اليأس وخيمت عليه الشكوك وأصبحت هذه الكلمات تثير فيه الشجن بدلاً من أن تعطيه الأمل. لكن في الميعاد المحدد منذ الأزل أتى السيد إلى هيكله بغتة ونادى قائلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ» (يوحنا 12:8). عندما قال يسوع هذا كان ليؤكد أن الخطية لن تسودكم والظلمة لن تطغى عليكم.

وبهذا النداء كان يسوع يؤكد أيضاً أن الصراع الأزلي بين النور والظلمة قد دخل إلى معركة حاسمة.

لقد قال الرب يسوع: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ» ثم قال لتلاميذه: «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ» (متّى 14:5) هذه هي عظمة يسوع... أراد يسوع بهذا الإعلان أن يفجر ينابيع المحبة داخل الإنسان، ويكتسح من داخله كل نوازع الحقد والشر، ويولد داخله كل مشاعر الرقة والمحبة والصفح والغفران... حيث أكد لهم «الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ...» (يوحنا 16: 27).

هنا أراد يسوع أن يؤكد للإنسان حقيقة أخوة بني الإنسان مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم في كل زمان ومكان... «الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ».

بهذا الإعلان أراد يسوع أن يكشف للإنسان عن نبع لا ينضب للسعادة والفرح والبهجة والاطمئنان. ويصوّر النبي إشعياء تلك المشاعر الفياضة للبهجة التي تنبع من وجود ذلك الآب المحب وسط شعبه فقال: «لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ. الْجِبَالُ وَالآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّمًا، وَكُلُّ شَجَرِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالأَيَادِي» (إشعياء 12:55).

«الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ...».

على أن أبوة الله لم تكن شيئاً جديداً بل كانت معروفة منذ القديم. فلنسمع إشعياء وهو يتحدث إلى الله بدالة البنين قائلاً: «تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ: أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ؟ زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي امْتَنَعَتْ. فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ» (إشعياء 15:63، 16).

لقد ظهرت كل أحشاء رحمة إلهنا في عمق الصليب.

ونحن نحتاج لأن نقضي العمر كله لنتأمل ونتأمل ونتأمل في أحشاء ربنا يسوع المسيح. لنتأمله في دموعه وعرقه وكفاحه وآلامه ودمائه. وإن كان الرسول قد قال عن الرب يسوع: «الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ» (2تيموثاوس 10:1). فإن الرب يسوع قد فعل هذا بحياته وموته وقيامته.

وبعد، وإن كانت البشرية لا تعرف حتى الآن كل شيء عن الضوء وهي ما زالت تبحث جاهدة لتعرف شيئاً عن مصدره وقوته وخصائصه وفوائده، كذلك نحن، فإننا سوف نقضي الدهر كيما نعرف شيئاً عن ذاك الذي قال عن نفسه بجدارة وصدق «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ».

وإن كانت قمة أضواء الحب قد انطلقت من فوق الصليب منذ ألفي عام فهي ما زالت تنطلق من هناك عبر كل الأجيال وهي في ملء قوتها ومجدها. وهي ما زالت تبدد الظلام وتبعث الحياة وتغير القلوب وتشفي المرضى وتقيم الموتى وتولد الفرحة والبهجة...

نعم، إن الرب يسوع قد أضاء الحياة والخلود بالحب...