العودة الى الصفحة السابقة

«طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا» (متى 16: 17)

سأل يسوع تلاميذه ذات يوم «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!.فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 16: 13، 16، 17). بيد ان اقرار بطرس هذا، لم يذهب الى أبعد من شاطئ معرفة المسيح وان لا بد لنا من رؤى بولس لكي نصل الى عمق هذه المعرفة. ففي الأصحاح الأول من رسالة الكولوسيين أعلن لنا:

  1. ان المسيح هو صورة الله غير المنظور، هكذا نقرأ في الانجيل «اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَط» (يوحنا 1: 18). حتى الملائكة لم تره، اذ يخبرنا اشعياء النبي ان الملائكة تغطي وجهها في حضرة الله. ونعلم من الكتاب المقدس ان كل المرات التي اعلن الله ذاته للبشر كانت تجليات جزئية، يصدق عليها القول «فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ» (1كورنثوس 13: 12).

    ولكن هذا اللغز قد حل حين جاء المسيح الى العالم حيث أعلن سر التقوى ان الله ظهر في الجسد. وقد قال لتلاميذه «لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ. اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 7 و9).

    قال أحد الأتقياء: لو اجتمع أصحاب العقول الكبيرة من الناس . وأخذوا يشحذون الفكر للتوصل الى معرفة صفات الله لوجدوا ان صفاته الأدبية والروحية طبقاً لصفات المسيح: قداسة تامة قدرة فائقة محبة كاملة كمال مطلق. وفي يقيني انه لم تزف للعالم بشرى أعظم من هذه ان الله شبيه بالمسيح. قال الرسول «وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِ» (عبرانيين 1: 3).

  2. بكر كل خليقة، والبكورية هنا تعني الازلية فهو أزلي وقد أعلن ذلك بقوله «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (رؤيا 1: 8). وكذلكم البكورية هنا تعني الشرف والكرامة والمثال الاعلى، اذ نقرأ في رسالة رومية 8: 29 «لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ». وقد شهدت بذلك الكلمة الالهية في مزمور 89: 27 «أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ». بالفعل ان الفداء الذي أكمله يسوع على الصليب أعاد لكل من قبله صورة الله التي خلق عليها الإنسان في البر وقداسة الحق.

  3. فيه خلق الكل، فهو اذن خالق. خالق الملائكة والسحب والكواكب والأرض وما عليها. قال الإنجيل بحسب يوحنا: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا 1: 3). وقال الرسول: «فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ» (كولوسي 1: 16) انه ذو الجلال العظيم الذي هو قبل كل شيء. هذا هو الذي رأى اشعياء مجده في الهيكل وسمع الملائكة تسبح له قائلة: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ» (إشعياء 6: 3). «فِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كولوسي 1: 17)، وقد أعلن ذلك في بيت عنيا اذ قال «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا 11: 25). وقال أيضا «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا 5: 25). لعازر أيها الميت هلم خارجا. أيها الميت بالذنوب والخطايا مغفورة لك خطاياك قم ولا تخطئ بعد.

  4. هو رأس الجسد الكنيسة، الذي به البداءة واليه النهاية. المسيح الرأس والكنيسة أعضاء الجسد بأوامر الرأس. وكما ان الجسد بدون الرأس يصبح بلا حياة، هكذا الكنيسة بدون المسيح تصبح بلا حياة. المسيح حياتنا قال الرسول بولس. وقال يوحنا: «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ» (يوحنا 1: 4). والمسيح بداءة الكنيسة وحجر الزاوية في هيكلها المقدس وكما ان الألف يبدأ حروف الهجاء، وكما ان الواحد يبدأ الأعداد هكذا بالمسيح بداءة الكنيسة. قال أحد الأتقياء: ان العالم هو خليقة المسيح القديمة والكنيسة هي خليقة المسيح الجديدة. ولكن العالم خليقة فسدت، أما الكنيسة فخليقة طهرها المسيح بدمه وقدسها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. ولهذا وجب على المؤمن ان يحفظ اناءه بقداسة وكرامة. والكلمة الإلهية تقول: «مَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ» (رؤيا 22: 11).

  5. المسيح بكر من الأموات. فالقبر لم يستطع ان يمسكه بل قام في اليوم الثالث، فأبطل الموت وأنار الحياة والخلود. صحيح انه أقام قبلاً لعازر، وابنة يايرس، وابن ارملة نايين، ولكن هؤلاء ماتوا أيضا. أما المسيح فهو حي الى آبد الآبدين وله مفاتيح الهاوية والموت. قال له المجد: «بَعْدَ قَلِيل لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 14: 19). نعم انه حي والكنيسة تشعر بوجوده الدائم فيها. وكل مؤمن مولود من الله يستطيع ان يدلي بشهادته عن وجود المسيح فيه. على غرار شهادة بولس حين قال: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20).المسيح متقدم في كل شيء لأن فيه سر ان يحل كل الملء. فيه يحل كل ملء الله، وفيه يحل كمال الله، وفيه إعلان الله.

يقول الكتاب انه بعد قيامته صعد وجلس في يمين الله في السماوات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى.وأخضع كل شيء تحت قدميه واياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل. هذا هو يسوع يا اخوة، متساو في الجلال مع ابيه المتعالي فاق مجد الكروبيم. فان كنت له، ينبغي ان تجعله الأول في حياتك والسيد على قلبك هذا حقه المطلق باعتبار كونه الهك الذي كونك وأعطاك الحياة. صحيح انه لا يحتاج اليك ولكنه يحبك ويريد ان تحيا في البر وقداسة الحق. ولهذا صار جسداً لكي يرتفع على الصليب ويفتدينا بذبيحة نفسه. ويصالحنا مع الله بدم صليبه، ومن هنا صارت الكلمة الرسولية: «إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ» (2كورنثوس 5: 19). بدون ذبيحة المسيح كنا سنبقى في حالة البعد عن الله بلا إله ولا رجاء في العالم. قال إشعياء النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 6). أجل كلنا أخطأنا والخطية صيرتنا أعداء لله. «اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيح» (أفسس 2: 4 و5).

كنا أعداء في الفكر في الأعمال الشريرة ولكنه قتل العداوة بالصليب فغلب قوات الشر بدم صليبه، وأعطى كل من آمن به الغلبة.كما هو مكتوب «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ» (رؤيا 12: 11). تأكدوا يا اخوة ان كل من يجعل صليب المسيح محور حياته وأفكاره لا يُغلب بل يبقى له نور ذلك الرجاء الحي الذي لا ينطفئ. بأن ليل كل جلجثة لا بد أن يعقبه فجر قيامة مفعم بالرجاء الحي بيسوع المقام من الأموات.

أراد استاذ من مذهب اللاأدريين ان يتهكم على رجل الله سندر سنغ فسأله ماذا وجدت في المسيحية ولم يكن في دين آبائك الذي تركته؟ فأجابه بكل بساطة: لقد وجدت المسيح. فقال الأستاذ متضجرا: أنا أعرف انك تبعت المسيح ولكن ما هو المبدأ الخاص الذي وجدته ولم تكن تعرفه؟ فأجابه: ان المبدأ الخاص الذي وجدته هو المسيح. حينئذ خجل الأستاذ وانصرف عن ذلك المؤمن المنتصر بالمسيح. انصرف ولسان حاله يقول: يبدو ان سنغ قد أصاب كبد الحقيقة، فقد يكون في الأديان الأخرى أشياء جميلة ولكن يعوزها المسيح. في الواقع ان الناس في حاجة الى هدف تصوب إليه الأخلاق ويسوع هو ذلك الهدف.

قال المبشر المشهور ستانلي جونس: اني اعرف ان لا شيء اسمى وأجدر بالله والإنسان من مشابهة المسيح. فطوبى للإنسان الذي يستيقط ضميره ليطلب المسيح لأن المسيح والضمير قد وُجد أحدهما للآخر. ومتى اجتمعا حصل الشعور المتبادل والتقارب المنشود وحينئذ: يتم الخلاص هللويا رنموا لربنا يسوع