العودة الى الصفحة السابقة

«تَمِّمُوا خَلاَصَكُم» (فيلبي 2: 12)

سئل العالم المشهور السير جيمس سمبسون مكتشف الكلوروفورم ما هي أعظم اكتشافاتك؟ فأجاب ان أعظم اكتشاف توصلت اليه، هو معرفتي بأنني إنسان خاطئ وان لي مخلصاً هو يسوع المسيح.

وقد قال العالم جون سلدن وهو في ساعته الأخيرة لقد قرأت كثيراً ولكن من كل قراءاتي لم يعزني شيء إلا كلمات بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تيموثاوس 1: 15). فالخلاص هو جعالة الله العظمى التي اشتراها المسيح للانسان بموته الكفاري على الصليب.

كتب بولس الى أهل فيلبي قائلاً: «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِه» (فيلبي 3: 20 و21).

ونفهم من هذه الآيات المجيدة ان كل من يقبل يسوع يخلص من خطاياه. إلا أنه في حياته على الأرض لا بد للمخلص بالنعمة من الجهاد مع الله كي يتمم خلاصه.

سألت فتاة جريئة أسقفاً جليلاً: أيها الأسقف هل أنت مخلص؟ فأجابها بتواضع المخلصين: ان كنت تقصدين الخلاص من جرم الخطية وماضيها الأسود، فقد بررني المسيح وغفر لي خطاياي. وان كنت تقصدين الخلاص من قوة الخطية في الوقت الحاضر فيسوع قدسني بروحه، ولا زال يقدسني ويحفظني لمجده يوماً فيوماً. وان كنت تقصدين الخلاص من هذا العالم الفاني والتمتع بالمجد مع المخلصين والمفديين، فهذا ما انتظره بمجيء الرب الذي سيأتي ثانية ليقيم الراقدين ويغير الأحياء وينقذنا من العالم الشرير وكل ما فيه.

«تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ» (فيلبي 2: 12 و13)، هكذا قال الرسول. فالله يعمل فينا بالروح القدس لكي يقدسنا الى التمام. وقال أيضاً: ان الله «اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ» (أفسس 1: 4).

صحيح اننا في الطبيعة أبناء الغضب وكلنا كغنم ضللنا وقد شقينا بالخطية. وصحيح ان الله يكره الخطية، ويسخط على الإثم ولكنه يحب الخاطي. وقد بين لنا حبه للخاطي بالفداء الذي أتمه بيسوع المسيح على الصليب. قال الرسول بولس: «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 5: 8). فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب.

ولكن هذا البر وان كان يعطي دفعة واحدة للذين قبلوا يسوع، إلا ان التقديس الذي يعقبه يتم على مراحل:

فأولاً: يفطمنا عن الخطية، ثم يخلصنا من محبتها، ثم يحررنا من سلطانها. سل مختبر خلاص الله يقول لك: ان ما أراه اليوم خطأ كنت في الماضي أراه صواباً. وما كنت أحسبه في الأمس مباحاً أحسبه اليوم محظوراً لا يليق بي. ولكن هناك حقيقة يجب ان نعلمها وهي ان الخلاص من الخطية لا يعني الخلاص من التجارب، فالتجربة ضريبة مفروضة على كل مولود امرأة ولا مناص لأحد منها. بيد ان التجربة نفسها ليست خطية بل الخطية ان نطيع التجربة. قال الرسول يعقوب: «كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِ، ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يعقوب 1: 14 و15). وقال الدكتور ماير: لا يمكنك ان تمنع الشيطان من أن يقرع باب قلبك لكنك تستطيع ان تمنعه من دخول قلبك. لا يمكنك ان تمنع الطير من التحليق فوق رأسك لكنك تستطيع منعها من بناء عشها في رأسك. ويقينا انك بقدر ما تقترب من الله تزداد تجارب الشيطان لك. ومع ذلك فكثيرون يحكمون على إخوتهم بأنهم ليسوا أطهارا ما داموا مجرمين. هذا حكم خاطئ، لأن الإنسان لا تتبلور طهارته ما لم تتنقى في بوتقة التجارب.

المسيح نفسه تعرّض للتجارب في برية الأردن ويقول لوقا الإنجيلي ان المجرب اعترضه، حين كان مملؤا من الروح القدس.في الحقيقة ان كان أحد مدعواً أخاً ولا يجرب فالمعنى انه في حالة هدنة مع المجرب، والمعلوم ان عدو النفوس لا يهادن مختاري الله.قد يسأل أحدهم: لماذا يسمح الله بأن نُجرب طالما مشيئته قداستنا؟ هذا سؤال مهم، والجواب عليه هو ان الله يسمح بالتجارب لكي يبلور ايماننا بالامتحان، ويثبت رجاءنا بالصبر، ويقوي محبتنا بالاختبار. قال أحد الأتقياء: كما ان الصائغ لا يتعب نفسه لينقي معدنا لا قيمة له، هكذا الرب لا يضعنا في أتون التجارب المتقدة، إلا لأنه يقدرنا كأحجار كريمة فيصقلنا.

في الحقيقة ان كنت لا أُجرب فلن يتاح لي أن أعرف مدى احتمالي للضيقات لأجل البر، وبالتالي لا أعرف مقدار احتياجي لعون الرب يسوع. قال الرسول يعقوب: «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عالمين عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ» (يعقوب 1: 2-3).

لقد عُرف عن يوحنا بنيان كاتب سياحة المسيحي انه كان يفرح بالتجارب، ولما سئل عن السر قال: ان سر تجاربي الكثيرة هو انني بعد عبور التجربة الأولى لم أعد أصلي ليحفظني من التجربة القادمة بل لينصرني عليها. «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ» (فيلبي 2: 13) قال الرسول. انه يعمل فينا مبكتا «عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَة» (يوحنا 16: 8). فوخزات الضمير التي يحس بها المؤمن حين يقع في هفوة، والتماس الصفح الذي يدفعه اليه تبكيت روح الله القدوس، والصراخ الذي يلي ذلك الى الله بطلب العون لاجتياز الضيقة. لهي أدلة على ان للتجارب عملاً صالحاً هو تدريب المؤمن في سبل البر. قد يأخذ توبيخ الرب صورة التأديب بسبب الوقوع في الزلات بعد معرفة الحق. ولكن هذا ليس دليلا على نقص في حب الله العجيب الفائق. العكس هو الصحيح، فقد قال الرسول: «الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُه» (عبرانيين 12: 6). ان كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه. ولكن كل تأديب في الحاضر لا يرى انه للفرح بل للحزن وأما أخيرا فيعطي الذين تدربوا به ثمر بر للسلام.

لقد سرّ داود بهذا النوع من التأديب وأعرب عن سروره بالقول: «عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي» (مزمور 23: 4). وليس هذا فقط، بل انه أدرج ذلك في صلاته متوسلاً وقائلاً: «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي» (مزمور 129: 23). ان تريدوا وان تعملوا من أجل المسرّة قال الرسول. ونفهم من هذه العبارة ان الله لا يرغم أحدا على اتمام خلاصه وانما يحضه لكي يريد وان يعمل لأجل المسرة الالهية، التي تريد ان الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون.

قال الرسول: «إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَته لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِه» (أفسس 1: 5 و6). تذكر يا أخي ان الإرادة عندك في قلبك وان الرب لا يقتحم القلوب. بل ينتظر ان نفتح له أبواب قلوبنا، بدليل قول المسيح: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20). ويا له من عدم لياقة ان كنا نسمع الصوت الإلهي ولا نفتح!

اليوم يقول الروح القدس: «إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين 3: 15). أجل على هذه الصورة يعمل الله فيك لكي يحفظك ثابتا في المسيح حتى اذا جاء الشيطان وقرع باب قلبك يطل المسيح وبإطلالة المسيح يفر الشيطان على أعقابه مدحورا. «تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (فيلبي2: 12 و13). هذه الآية المجيدة يجب ان نتخذها شعاراً لنا فصاعداً ان نريد ان يعمل الله فينا لكي يقدسنا الى التمام.

وما أجملها وما أمجدها ان يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا لكي يؤسسنا ويؤصلنا في المحبة. حينئذ يكون فينا فكر المسيح، الذي يكره الخطية ويحب البر. ويكون من الطبيعي ان نثمر لمجد الله ثلاثين وستين وماية. ونصير شركاء بولس في شعاره حين قال: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20).