العودة الى الصفحة السابقة
وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هٰكَذَاً (لوقا 6: 31)

وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هٰكَذَاً (لوقا 6: 31)


تعم البغضاء في العالم. وتُرفع موجة الغلاء. وتخيم اللامبالاة على العقول. فلا أحد يحب الآخر. وكل إنسان يفكر بذاته.

وقد عاشت في عاصمة أحد البلاد امرأة محترمة عانس لوحدها في شقة ببناية كبرى. ومضت مدة طويلة عليها دون أن يشاهدها أحد. وظل الراديو في غرفتها يعمل ويتكلم والنور مضاء. ولما جاء بعد أشهر محصل الاشتراكات من شركة الكهرباء، ليقبض الحساب منها، ولم تفتح له، نادى خادم العمارة المسؤول الذي تشوش خاطره، فكسر باب منزلها. وإذ دلفا إلى الداخل ألقياها مستلقية على قفاها في مقعدها المريح، ميتة منذ مدة. وجسمها فاسد وكريه الرائحة. وما زالت أغاني الحب تنبعث من جهاز الراديو بجانبها في الغرفة. فلم يهتم بها أحد، رغم أنها عاشت في البحر البشري في عاصمة البلاد، حيث يمر كل امرئ على الآخر بوجه بارد كحجر الجبس.

أما المسيح فهو الذي يمنحك اليوم حلاً لانطوائك ويأسك وينيرك بقاعدته الذهبية:

«كَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هٰكَذَا»

هل انتبهت أن المشرع الحكيم لم يقل: اعمل بالناس كما يعملون بك، وجازهم على الخير بالخير وعلى الشر بالشر؟ كلا. المسيح يشجعك لتقلب مبدأ العالم، وتعمل خيراً متواصلاً مهما يعمل الناس بك. لا تنتظر عوناً من إنسان ما، بل ساعده أولاً. فدستور السماء يغير تفكيرك جذرياً، ويجعلك محباً بعد إن كنت أنانياً. فلا تطلب عند الآخرين تفاهماً واهتماماً ورحمة بل فكر فيهم أولاً، وصل لأجلهم، واخدمهم حتى ولو رفضوك. والذي يبغضك أحببه. والذين يؤذونك أحسن إليهم. عندئذ تجازي الشر بالخير، وتموت عن الانتقام، وتسامح وتحمل الصعبين، كما تمنيت أن يفعله الآخرون تجاهك أيضاً.

ولربما تجاوب وتقول: مستحيل. ليس أحد يستطيع أن يغلب نفسه بهذا المقدار. فنجاوب: كلا. إن المسيح قد أكمل هذه القاعدة الذهبية في حياته. وتمنى في قلبه، أن يحب الناس ربهم، ويرجعون إليه، ويخدمونه بفرح. ولكن ليس أحد طالباً الله حقاً، ولا يعمل صلاحاً ولا واحد. فتخلى المسيح عن مجده، وأسرع إلى الخطاة، وتنازل عن امتيازاته، وأصبح إنساناً، وخدم الكل في محبة مثالية. وأراد يسوع قيادة الثائرين، ليخضعوا له. فحاول أن يحرضهم إلى الإيمان الأمين. ولكن البشر عاشوا مستقلين عن خالقهم، واتكلوا على قدرتهم البشرية المحدودة أكثر مما آمنوا بالقادر على كل شيء. وخانوا الله في أذهانهم. أما المولود من روح الله فثبت مخلصاً لأبيه السماوي، وأخضع نفسه لهداه دائماً. وانتظر المسيح صلاة التوبة من الأتقياء لكيلا يسقطوا في تجربة. ولكنهم نعسوا ولم يقدروا على الكفاح الروحي. عندئذ صلى ربنا بلجاجة، حتى سال العرق من جبينه كنقط الدم، ليرجعنا إلى الشركة مع الله. ولما أبغضه أعداؤه أحبهم. وعندما لطموه وبصقوا في وجهه، باركهم. ولما صلبوه، صرخ: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34). فالمسيح قد أتم دستور السماء في حياته لحظة لحظة، وصالح العالم مع الله القدوس رغم رفضهم وقتلهم إياه.

والآتي من الأزل يعلم، أننا أشرار جهلاء، غير قادرين لإتمام قاعدة المحبة، لأننا عبيد خطايانا، وأسرى أنانيتنا فطهرنا من ذنوبنا، قبل أن طلبناه، وأوجد خلاصاً قادراً ليقلب قلوبنا قبل أن نؤمن به. وعظمت محبة المسيح بمقدار أنها تغير أذهاننا إن آمنا به. هل تريد الحصول على عقل جديد؟ فاطلب من المسيح حلول الروح القدس إلى ضميرك. فلا تفكر أولاً بنفسك، بل ترحم المسكين وتحبه. عندئذ لا تنتظر شيئاً نافعاً من المجتمع، بل تخدمه بصبر فائق وحكمة غالبة.

وإن ترتبط بالمسيح بإيمانك، تدرك أن موته أمات أنانيتك. وقيامته من بين الأموات منحتك قلباً جديداً. افتح مشيئتك لفداء المسيح، فيجعلك إنسان المحبة. وعند ذاك تكتشف أن أخاك الإنسان محتاج أمامك. ولا تتنقد سيره، بل تصلح نفسك أولاً. وتصلي للاعنيك. وإذ ذاك لا تنتظر زيارات الإخوة إليك، واهتمامهم بحساسيتك، بل تزور أنت المنعزلين، وتهتم بضيق المساكين. والمسيح مخلصك يعطيك القوة للتضحية. فلا تقول: ليت أحداً يساعدني، بل تأخذ من وقتك ومالك وتخدم المحتاجين عملياً. فنتيجة إيمانك بالمسيح تغيير عظيم في حياتك، لأنه يعمل منك أنت الخاطئ المتشائم، عاملاً خادماً في المحبة الإلهية.

اختلف شاب مع أبيه فقاطعه الوالد. ومرت على ذلك أشهر وهما لا يتكلمان سوياً ولا يصّبحان بعضاً. ولكن عندما ابتدأ الشاب أن يؤمن بالمسيح لم يستطع احتمال هذا الخلاف فيما بعد. فنصحه صديقه: قدم لوالدك عملاً بسيطاً في سبيل المحبة، فتتغير الحالة رأساً. ولما سقطت من يد الوالد سكينة ما صدفة، وهو يأكل على مائدة الطعام، انحنى الابن كبرق والتقطها، وأعطاها لأبيه. فتعجب الوالد وقال شكراً. ومن هذه اللحظة تحسنت علاقتهما، وحبا بعضهما، وتصالحا نهائياً. فمحبة المسيح تغير القلوب.